كلا! الصراخ ليس ممنوعا
بادئ ذي بدء، لا بد من الترحم على روح الفقيدة الغالية. إن الجريمة البشعة التي تعرضت لها مريم أصابتنا جميعا في الصميم، و ما زلنا حتى هذه اللحظة مفجوعين بهول الكارثة. أعان الله أهل الفقيدة، و أعاننا جميعا على تجاوز آثار هذه الجريمة.
نعم، لا بد من الصراخ، لا بل و الصراخ عاليا، أولا استنكارا للهمجية و الوحشية، و ثانيا للتضامن مع الأهل المفجوعين، و ثالثا لأن انسانيتنا تأبى علينا السكوت و الرضوخ أمام هكذا مأساة.
لكن، هناك فرق جوهري،
بين عويل طائفي بغيض، يصنف الناس جزافا، و يحلل هنا و يحرم هناك، و ينبش آثار عنصرية و طائفية هي للأسف، ما زالت متأصلة في نفوس اللبنانيين، و لا تحتاج أكثر من لحظة فاجعة، كي تطل برأسها البغيض، فتجرد الانسان من إنسانيته، و تدفع بغريزة الانتقام إلى الواجهة، فلا يعود للعقل مكان، و لا للمنطق وجود ، و لا للتسامح موطئ قدم.
و بين صراخ عالٍ، مطالبٍ بالعدالة، و نابذٍ للفرقة، و داع للتبصر و التفكر، كي لا تفجع عائلة أخرى، و لا نبكي عروسا أخرى، و لا نعنى أماً ثكلى.
تقرير ال بي سي الأخير، كان عويلاً و لم يكن صراخاً، كان موقظاً لفتنة بغيضة، و لم يكن استنكارا لفاجعة، كان نبشاً للعداء و البغضاء بين الطوائف والأديان، و بين الأجانب و اللبنانيين، و لم يكن وأداً للكراهية البغيضة.
مأساة ميريم أشقر، هي مأساة لكل نساء لبنان، اللاتي يتعرضن للتحرش و الاعتداء و الاغتصاب و الضرب و القتل. هي مأساة مجتمع ذكوري سلطوي، حول جسد المرأة سلعة تباع و تشترى. هي مأساة كل لبناني، بل كل انسان يعيش على تراب لبنان، مهما كان دينه أو طائفته أو جنسيته أو ثقافته.
إنها ليست مأساة مسيحية فقط، و ليست مأساة تخص اللبنانيين دون الأجانب، و ليست مؤامرة مبيتة، لا ضد المسيحيين، و لا ضد ساحل علما، و لا ضد لبنان.
كنا ننتظر من مرسال غانم إيضاح هذا الألم، و هذه الفاجعة، و أن يوحد الجميع على رفض الجريمة، و استنكار الفاجعة، و المطالبة بتحقيق العدالة، دون عنصرية و دون طائفية و دون بغضاء.
فهل كنا سنقبل الجريمة لو كانت الفتاة في طريقها إلى السهر في الجميزة، أو عائدة من عملها في ملهى ليلي، أو متوجهة إلى جامعتها أو مقر عملها؟؟؟!! و هل كنا سنقبل الجريمة لو ارتكبها لبناني؟! و نطالب بمسامحته و العفو عنه؟؟!!
الجريمة جريمة، بغض النظر من ارتكبها، و من ارتكبت بحقه. هي مدانة و مرتكبها مدان، دون تعميم الذنب على بني طائفته أو جنسيته.
كلا! الصراخ ليس ممنوعاً، و لكن العويل مستنكر و مدان و ممنوع كذلك......
ملاحظة: إن هذه المقال هي رد على مقال لمرسال غانم. لمشاهدة المقال، انقر على الرابط
http://kalamennas.wordpress.com/2011/11/28/هل-الصراخ-ممنوع؟/#comment-30