Ghassan Tueni.....
This is the editorial of Annahar for Friday December 15th, 2008 by Ghassan Tueni....
تستشهدُنا من بعدك كلّ نهار يا ابني، يا حبيبي!
أمضي، في الفراغ الذي تركتَ من بعدك في دنيا الحياة، أسألك: لماذا، لماذا؟ أسأل طيفك الذي يحوم حولي ويُثقل الفراغ بصوتك الذي لا يهدأ، مروراً بقَسَمك حاملاً صداه هدير جماهير "ساحة الشهداء" إياها، وكأنها امتدّت وتمتدّ بنا وبالسابقين واللاحقين من قرن إلى قرن: لماذا لم تخف من الموت؟ لماذا كسرت التنبيه وهرولت الى الشهادة وكأنك على موعد مع القتلة الذين كنا وكنتَ تعرف أنهم ينتظرونك؟ لماذا ذلك الزهد بالذات وبالحياة؟...
أحمل على شفتيّ وهج القبلة التي لم أجد جبينك لأطبعها عليه قبل أن يلفّك التراب، ولا تركوني ألمس وجهك الضاحك لأغسل عنه بدموعي آثار البارود الذي أحرقَك وأحرقَ قلبي وقلوب محبيك والمتعبّدين للوطن والحرية كلهم... التراب الذي لم يبرد ولم يتحجّر من ثلاث سنوات ليس حاجزاً بيننا وبين الموت الذي تسكن! الموت صار هو حياتنا، فأعرف أنك تسمعني وأنك استمررت تنظر إلى كل ما صرنا إليه من بعدك...
لا عزاء لنا بعد... لكن العزاء آتٍ، لأن ليس في التاريخ – ولا القدر – منطق أو ناموس يسمح بأن تذهب الشهادة سدى... فاصبر وانتظر في كنف الحب المؤمن الذي يُدفئ غربتك، أعرف... لن تنتظر إلى الأبد، لأن الأبدية صارت خلفنا ووراءك. إفتح عينيك يا ابني، يا حبيبي. ساعة اليقظة لا بدّ آتية، ويأتي لقاؤك مع المؤمنين بقَسَمك، فتراهم كيف يتجاوبون. الشهداء لا يشعرون بيأس لأنهم يدركون بحماسة الشهادة أنهم يستمرون يستشهدوننا معهم بفرحٍ إلى ساعة القيامة الآتية في تاريخٍ، إذا أردناه، هكذا ما كان منظوراً، فهو هو، لا سواه، المنتصر على الموت. ليس القتلة الذين ينتصرون ولو اغتالوا الشهداء ببربرية تحرق الأجساد... ولو غرّروا بعقول الذين يصدقونهم
فالروح الباقية أبداً أقوى من البارود ومن نار الجحيم الذي فتحوا أبوابه ليُطلقوا ناره... ستحرقهم هذه النار إياها لأنها سترتد عليهم... فلنؤمن معاً!
عهد علينا يا ابني كل نهار: لن نستسلم للنار مهما اشتعلت! ولن نخاف الموت الزائل أمام دفع الحياة.
الشهادة الدائمة الحياة تشترينا وتقيمنا حتى من الموت وتُحيينا. فلنؤمن ولا نتردد!
غسان تويني
غسان تويني
The fate of free men is that they are always free, even from their beloved ones.
May your soul rest in peace dearest Gebran
No comments:
Post a Comment